نص فوضويّ
_______
سأحكي لكم عن ملامح المكان الذي عادة ما يحتويني .. غرفتي ، أشيائي مبعثرة بفوضى محببة إلى النفس ، وسادتي مرمية بجانب مقعدي ، مكتبي يعج بالأوراق والكتب والأجهزة وأشياء أخرى صغيرة ، قدح وقارورة مياه معدنية ، أسلاك وكوابل ، هاتفي مضبوط على وضع صامت ، طابعة ليزرية جامدة حيث لا حبر ولا أوراق ، رواية المجوس ، الجزء الأول لإبراهيم الكوني تستلقي بتكاسل عجيب تشاركني دفء مخدعي ، وتستنشق عبيري ، لا شيء من ملامح الأنثى فوق مكتبي سوى عطري ، لم تكن بي رغبة لترتيب المكان ، الشيء الوحيد الذي أكرهه هو تنافر الألوان فغرفتي رغم الفوضى و الأشياء المتداخلة بهمجية صارخة إلا أن الألوان مرتبة ترتيباً مريحاً للنفس ، لا أحد يشاركني غرفتي ، مملكتي خاصة بي وحدي ولا أحد يساعدني في ترتيبها ولا يملك قرار ذلك ، أنا وحدي من يقرر مصير أشيائي ، وحتى ملابسي عادة ما أتركها متناثرة هنا وهناك لكنها نظيفة ونظيفة جداً ، تفوح منها رائحة عطري ، أعود فأقول عطري هو سيد المكان وهو الذي يحدد ملامح الفوضى المحيطة بي ، في جهة اليسار يتربع مكتبي ، يحتل جزء كبير من المكان ، أحبه متسعاً ليستوعب كتبي وأوراقي ، أجهزتي ، أجلس إلى حاسوبي المحمول ، ثلاثة أرباع وقتي أجلس إليه ، أمي تتذمر من هذا العذاب ، تشكي من عشقي لجهازي وجلوسي وحدي تماما ، وحدي مع شاشة وأزار وأسلاك وكوابل وكتب وأوراق و حدي مع الصمت المطبق ، هي تقول لا شيء حي في غرفتك يا أبنتي ، لا شيء يبوح ويتحدث ، يثرثر سوى عطرك .
أفرك عيني المجهدتين من أثر التحديق في الشاشة المضاءة ، أتثاءب ،لا أرد .
عوالمي لا تعجبها ، ملامح مكاني غير المرتب تقض مضجعها ، صمتي الطويل يقلقها فتخرج حزينة .
القلم في يدي ، أنتبه ، أضعه باحترام شديد على الورقة ، منذ فترة طويلة لم أكتب بالقلم ، هناك حاسوبي وصفحة الوورد البيضاء والأزرار الباهتة ، قلبي فارغ ، أشعر به كبيت غادره سكانه منذ زمن بعيد ، روحي مرهقة بعد وفاة أحبابي ، أحلامي تقف عند كتابة سطر ثم تتوقف ، الوطن مثقل بالهموم ، أستنجد بالذاكرة ، أفقد شهية استدعاء الأشياء الجميلة ، شريط الذكريات يبدو باهتاً ، أغمض عينيّ، يؤلمني ذلك الرجل الذي أغراني بالكتابة ، وبترك عطري يثرثر طوال الوقت ، وإهمال أشيائي دون ترتيب ، ترك " إبراهيم الكوني " يتسلل إلى مخدعي ، و"محمد حسن" يشاركني كل أوقات القيلولة ، ترك أثاره ، بقاياه ، لطخاته فوق أحرفي ، ترك بنغازي والزاوية والشاطئ وزلة وطرابلس والجبل الأخضر كوشم كي في صدري ، ترك قصائده ، شكلني وفق مزاجه ثم اختفى .
.
خيرية فتحي عبد الجليل .